
نحن مثل “الايام” فبعضها يأتي محتشدا بكل معنى جميل ، وكل ذكرى عطرة ، نتنفس من خلالها ، جمالا ونبلا ومروءة ، وبعضها يأتيك قاتماً يحمل في طياته كل بائس مفلس من الأشياء..
وكذا نحن البشر أبناء الأيام بكل المعاني الجميلة وضدها ، بكل السمو وبكل الابتذال …
فكثيرا ما يأتيك أحدهم عالي الهامة والهمة ، يحملك معه إلى ذات الكوكب الذي قد بنى سكناه فيه ؛ قصرا منيفا من القيم والجمال والكرم ، فتمسي وتصبح وأنت في أنعم حال ، وأجمل خصال ، من شراء حكمة أو ابتياع وفاء ، أو كرم وفادة وطول ذكر ، ويكون أمرك حينها مابين شكر المنعم الذي ألف بين القلوب ، ومابين احتفاء بتلك الشخصية التي عمّرت أوقاتك بكل جميل نبيل من مكارم الأخلاق ومحمود الفِعال….
وفي الوجه الآخر يصدف أن يأتيك ذلك الذي يحمل هزيمته النفسية بين عينيه ، يلوك الكلام ولايكاد يبين؛ كذبا وتلونا يفسد الهواء والماء وكل ماتلمسه يداه بلؤمه ، وبماكسبته يداه من خور ، وضعف همة ، وتقوّل على الحياة ، فلايخرج من عندك ، إلا وقد زهدك في كل معنىً شريف نظيف ، ولربما سحب منك بعض رصيد الأمل بأن هناك نقاء ، فتستعيذ بمولاك بمجرد ارتطام الباب خلفه موليا إلى حيث ألقى به عاثر أمره ، وبائس دهره..
وقد يقول قائل هذه الدنيا حظوظ ونصيب حتى في الطباع ، وأقول لكل شيء في الحياة ثمنا لابد أن تدفعه مسبقا ، فذاك العالي الهامة والهمة ، نبيل الوصف والصفات ، قد ابتاع من دهره كل ماحصّله من جميل أمره بذلك العربون والثمن الجميل ، من التفاني والسيادة والصبر والبذل والعطاء ، وصاحبَ الماجدين وصاحبوه حتى أفضى به الأمر إلى كل ماجد من الخصال ، وكل جليل من الصفات ، فأصبح مقصداً للنبل والنبلاء ، وجارا وجواراً لأهل الفضل والاوفياء..
و أما الآخر فقد اجتلب ماهو فيه من هزيمة وفساد وهوان وضعف رأي ، بما اكتسبه في حياته ، حيث ضن بوقته وجهده عن البذل والعطاء ، وشح بنفسه وفضْل وقته عن أيٍ من الفضائل حتى نأت بنفسها عنه ، وأقصته من دروبها ، وأمسى وأصبح خَدِين الهوان والضعف واليأس..
وعليه فإنّ على الإنسان الذي يروم المعالي من الأمور ، أن يتبين حال الاثنين وسماتهما ، حتى يستكثر من الطيبين ويسأل الله أن يكون حظه منهم كبيرا جزيلا ، وأن يجنبه الآخرين حتى لايجمعه بهم طريق أو حال… والتوفيق مآله وحاله وبدايته ومنتهاه من الله جلّ في علاه..