
في الآونة الأخيرة طفا على السطح مخلفات الكثير من أدعياء الثقافة الذين يهولون ويتباكون من موقف السعودية من قطر مستخدمين أساليب ملتوية في التأثير.
عندما بدأت أستلذ بالقراءة أطرقت متسائلا:أي تفاهة ستمر على” قارئ “إذ أنني لم أتوقع أن من يقرأ كما هائلا من الكتب الشرعية، ويستقي العذوبة من أهل اللغة والأدب من الرافعي والعقاد إلى طه حسين، مارا على روائع الروايات العالمية وكتب الفلسفة؛ ليبدأ بكتابة مذكراته القرائية سيسقط في فخ ومعترك يسلبه كل مبادئه ويظهره مظهر منتشٍ لقي فرصة لتحقيق أحلامه الساذجة.
عماذا يختلف “قارئ-مثقف” سقط في ذلك الفخ عن معتل نفسي؟ إن عمى الأول إرادي بحت ناتج عن مشيئة “جماعة-قطيع”، يسيره لتحقيق مصالح قادته، فهو لا يعدو أن يكون أداة، ينتهي أجلها بانتفاء فائدتها.
لعلي لم أدرك أن “القارئ-المثقف” هو أكبر من سيمرر التفاهات وسيحيك المكائد؛ إن وقع في قبضة عمى الجماعة والإيديولوجيا المتعصبة التي تفتك بكل المبادئ والقيم، وكأن غمامة أغشت كل شيء؛ لتبدو القضايا الراهنة محيرة حتى ليبصر الزيف حقيقة.
إن خطر “المثقفين” المؤدلجين أمثال محمد الأحمري وأصحاب الشهادات الأكاديمية العليا لأكبر وأعنف؛ فهم لا يصرحون بآرائهم الشخصية وإنما يشرعنونها باسم الدين-لجذب المتعاطفين الذين يتوهمون بأن أمثال هؤلاء هم من سيحرر القدس-ويضفون عليها إطارا ثقافيا ثوريا ينادي بالحرية والثورات التي تحرر الشعوب من السلطة.
والمضحك المبكي أن هذا الخطاب المؤدلج الذي يدعو للتحرر من قيود السلطة، يسير بنسق متوائم ومتوافق معها؛ لذا فإن بوسع هؤلاء المؤدلجين التحالف مع الشيطان لتحقيق مآربهم.
لنعد إلى محمد الأحمري ذلك الذي ينادي بالحرية ويزعم أنه وجدها في قطر وفي حقيقة الأمر أني لم أجد تعريفا يشمل حريته المزعومة، فما هي هذه الحرية التي وجدتها بقطر يا محمد الأحمري والتي دعتك لتتنازل عن الجنسية السعودية وتذهب لقطر؟أهي الحرية التي تكفل لحكومة ما إيواء شخصيات مختلفة وجعلها سيوفا مسلطة على حكومات وشعوب؟،أهي الحرية المطلقة التي تشرع التدخل في شؤون الدول الأخرى والسعي للتخريب والدمار؟
أم أنها الحرية التي تبيح الإرهاب و سفك دماء الأبرياء؟
لا أعتقد أنه يخفى على محمد الأحمري تعريفا فلسفيا للحرية يشملها ويؤطر حدودها!.
فهل الحرية التي دعتك للذهاب لدولة كهذه؛ أم أن هنالك من “جس نبض الجيب”؟!
لقد وقفت كثيرا أمام مقولة كنت قد نقلتها في كتابك “مذكرات قارئ” لسالنجر: “جاهل كثير القراءة”، نعم عندما يضحي المرء سلعة وهو قد وصل لهذه المستويات من التثقف والقراءة فهو أعمى، لا تعني بالنسبة لي كلمة جاهل هنا إلا العمى.
فالعلم كما يقول عبدالفتاح أبو مدين “يمحو ضده ولكن لا يضيف خلقا أو يهذب طباعا أو يضفي ذوقا”؛ولكأنه الآن يصف مرتزقة الثقافة أمثال الأحمري وغيره من الأدوات المسيرة، نعم العلم يقمع الجهل ولكنه إن لم يضف للمثقف أخلاقيات ومبادئ تمحو الأيديولوجيات والمرواغات الدنيئة، وتنير الطريق لمجتمعات متسامحة، منصفة، لا تظلم ولا تعتدي؛ فقد يصبح وبالًا وسوءًا على صاحبه.
أخيرا أقتبس يا محمد الأحمري كلماتك التي تصف حالك:
“ورأينا أفذاذا أقاموا أعمالا رائعة ثم عادوا عليها بالهدم”.
ولكنك لم تفعل شيئا لذلك أحسبك ممن قد “قالوا أشياء رائعة” فناقضوها وهدموها.