
لأول مرة رأيته صباح اليوم يقف في منتصف الطريق عند مفرق الباحر ولايصنع شيئا سوى تصوير لوحات السيارات، فذكرني بمواقف وطرائف مرورية، قد لاتفيد كثيرا منكم، ولكن لامانع من مراعاة القليل هذه المرة:
في الرياض، وفي مدرسة دلة وقبل ثلاثة عقود ونصف تعلمت قيادة السيارة، درستُ وتدربتُ شهرا، ورسبت في الاختبار الأول بسبب طاعتي العمياء، كنت أقود سيارة الكورولا في ميدان مجهز بكل علامات المرور، أخذت دورة كاملة في الميدان وفجأة أشار إلي عسكري المرور الذي يحضر الاختبار، طلب مني التوقف فوقفتُ، قال لي: انزل، أنت راسب، نزلت؛ لأكتشف أنه طلب مني الوقوف عند علامة (ممنوع الوقوف) وكان عليَّ ألَّا أقف، ولكنني فعلتُ طاعة له، وامتثالا لأمره فرسبتُ! تعلمتُ ألَّا أطيع كيفما اتفق!
وفي هذه الدلة علمونا: أنك لاتقود سيارة واحدة، بل تقود أربع سيارات:التي أمامك، والتي خلفك، واللتين عن يمينك ويسارك، والخامسة سيارتك… وبعد مضي أكثر من ثلاثين سنة اكتشفتُ، واكتشفتم معي أننا نقود الخامسة وحدها وبتركيز 60% فقط ، و40% لقيادة الجوال، لنُفْجَع بأن ما يقرب من 80%من حوادث السيارات سببها الجوالات!
في طريقي إلى جازان استوقفني عسكري الدوريات الأمنية في نقطة تفتيش المقابلة لمركز الإيواء، كان يلبس بدلة سوداء، وواضح أنه من خارج المنطقة، كنت أضع سماعة بلوتوث حول الرقبة، قال لي: لماذا تتكلم في الجوال؟! عليك مخالفة، سألته:أين الجوال؟ فأشار إلى وميض السماعة وقال:هذه! قلتُ هذه سماعة وليست جوالا، قال:كنتَ تتكلم، قلتُ له:هل سمعتني وأنا أتكلم؟! قال:لا. قلتُ:هل رأيتني وأنا أتكلم؟! قال:لا، ثم ضحك وقال: (روح مانحتاجك نحتاج الشباب) هجاني من حيث لايشعر ولا أشعر، ولكنني التفتُ إلى جانب الطريق فإذا هم قد استوقفوا مجموعة من آل برمودا، وإذا القسائم تتطاير من كل صوب فأحسست لأول مرة بلذة هذا النوع من الهجاء…!!
في طريقي إلى جيزان استوقفني العسكري في نقطة التفتيش السابقة، قبل عامين تقريبا مع بداية عاصفة الحزم، قال لي أين الحزام؟! فأشرت إليه في مكانه من السيارة، فقال:(ليش ما تربطه) فقلت له: الملك سلمان الله يحفظه أطلق عاصفة الحزم فحزم بها الدنيا كلها، فلانحتاج معها إلى حزام أمان! أعرف أنني مخطئ، وعرف هو أنني أريد التخلص، فأشار إلي – ضاحكا-بالذهاب ولسان حاله يقول:(انشر نَشْر الله عليك!) (فنشرت) بأقل الخسائر.
أماالآنسة (سوسو) وهو الاسم (الدَّلَع) الذي سمعت شباب جازان يطلقونه على(ساهر) فهي في جازان فتاة حَصَان رزان خَفِرة تبترد بين الأشجار وفي الزوايا المظلمة، ولم يمسسني منها سوء حتى الآن، وليست كتلك (البجحة) التي ترصدتني حتى صفعتني بما يقرب من 2000ريال..
الآنسة سوسو حظيت باحترام بالغ في جازان في بواكير عمرها، فستروها بأكثر ملابسهم خصوصية، وشوهوا ملامحها غيرة عليها، وهناك من كسرها غيرة منها ومن حسنها الباهر وجمالها القاهر، ولكن – على وجه الإجمال- الشباب في جازان يحترمونها ويقدرونها ويفركون الإسفلت بين يديها ليوقدوا لها بخور- مَجَامِره؛ لتبقى راضية عنهم.
قلتُ:إن الآنسة سوسو أعقل وأعدل من ذاك الذي يتربص بك عند الإشارة، أو في منتصف الطريق ليصور لوحة سيارتك من حيث لاتشعر لتأتيك مخالفة في الحال كأنما هي صاعقة نزلت على أم رأسك من السماء، لاتدري متى، ولاكيف، ولا لماذا، ولا حتى من، بل متمردة على كل أدوات الاستفهام!!