
في موسم الحَجْر والاستكنان دار حوار بيني وبين كرين بن كارون، قال لي كلاما كثيرا، وأكثره غير صالح للنشر، ولكنني سأعرِّف بعضَه وأعرض عن بعض.
سألته: لماذا – ياكرين- تستهدفون الجهاز التنفسي، وتضربون الأنف منه ضربة موجعة قاتلة؟
قال: لأنكم – معشر البشر- ولاسيما العرب منكم بلغتم من الطغيان الزائف مبلغا مخيفا، فشمختم بأنوفكم، واستطلتم على من سواكم، حتى قال شاعركم القديم مجسدا هذا المعنى:
متى تجمع القلبَ الذكيَّ وصارما
وأنفا حميِّا تجتنبك المظالمُ
ثم إننا رأينا البشر، وبخاصة العرب من دون خلق الله يتباهون بكسر خشوم بعضهم، ويرغمون أنوف بعضهم، ويمرغون أنوف بعضهم في التراب، وكل أدبياتهم تدور حول الأنف، حتى تجاوزوا ذلك وأرغموا كل من له خطر سواهم بأنفه، فخطموا البعير وأذلُّوه بأنفه حتى جعلوا صبيانهم يجرونه بأنفه، رغم أنهم يمدحون المُقدَّم فيهم بأنف الناقة ومَن دونه بذَنَبها، فقالوا:
قومٌ همُ الأنفُ والأذنابُ غيرهمُ
ومن يسوِّي بأنفِ الناقة الذَّنَبا
قلتُ: ألم يلفت لئيمَ نظرِكم سوى أنوف العرب من دون خلق لله؟!
قال: بلى، فقد كسرنا أنوفا كثيرة وأرغمناها ومرغناها ولكنكم – معشر العرب – لاترون!!
قلتُ: أنرني ياكرين لا أنار لله لك بصيرة.
قال: عَمْدنا إلى مَن عظُموا في عيونكم فاستهدفنا قممهم، فأدخلنا بعضهم العناية المركزة، ثم أرغمنا أنف زعيم أقوى دولة في العالم ليطلب العون من فُطْس الأنوف وممن يكادون أن يكونوا بلا أنوف أصلا، فطلب منهم كمامات وأجهزة تنفس لملايين الأنوف المشمخرة!
وماذا بعد يا كُرين؟!
قال:على البشرية جمعاء أن تدفع ثمن تهورها واندفاعها حيث عطَّلت حواس قدَّمها الله وجعلها مناط التدبر والتأمل، كالسمع والبصر، وذهبت تدغدغ هذا الأنف (القذر) وتصرف عليه مليارات لترضيه عطورا وبخورا في الوقت الذي يتضور أغلب سكان الأرض جوعا. ولذلك كانت ضرباتنا موجعة لبلدان اشتُهرت بهذا وستدركون هذا عندما ينفذ المخزون من ماركات: دنهيل، وجيفنشي، وسان لوران، وشانيل، وغيرها، وأنت ترى كيف جعلنا أصحاب هذه الماركات الشهيرة يذرعون العالم بحثًا عن الكمامات وأجهزة التنفس.
قلتُ: فما بالكم أيها للعين لم تستهدفوا الأنوف العاشقة للعطور إلا بعد أنْ كتبتُ عن: بائعة العطور؟!
قال: لاتثريب عليك ياصديقي؛ نحن نعلم أنك كنت تكتب عن (مرق الهوا) ولاشيء غير هذا.
قلتُ: ثم ماذا بعد؟
قال: نكتفي اليوم بهذا القدر، وسيكون لنا لقاء آخر، لكني أنصحك قبل أن يحين موعده أن تقرأ كتاب:
(الأوبئة والتاريخ المرض والقوة والإمبريالية) لشلدون واتس الذي صدر في طبعته الأولى العام ٢٠١٠م،فلعلنا ننطلق منه في جلستنا القادمة..
ودعتُه وبودي لو يودعني
صفوُ الودادِ وأني لا أودِّعُهُ
د. أحمد العقيلي